ان ظاهرة الامية واحدة من اقدم الظواهر الاجتماعية في المجتمع الفلسطيني و اصبحت من الشهرة بحيث يتحدث عنها المسئولون و المثقفون و العامة في كل مناسبة ، ومنذ عقود ،وتعتبر اكثر المشكلات تعقيدا في المجتمع اليمني و اشدها تاثيرا في ظاهرة التخلف و تدني نتائج برامج و خطط التنمية عموما ، ومع ذلك فان هذه الظاهرة او المشكلة هي الظاهرة الوحيدة التي يتم الحديث عنها بعيدا عن أي معطيات تشكل اساسا علميا لتلك الاحاديث العمومية التي لا تساعد على الوعي بحقيقة وحجم وتحديات هذه الظاهرة الإجتماعية ، بل هي المشكلة الوحيد التي لم تظهر لها أي دراسة حتى الآن ، ومع ذلك فقد وجدت في فلسطين عشرات المحاولات لتبني حملات شاملة وخطط وبرامج ضمن عدة إستراتيجيات يعتقد أنها وضعت لتكون مرشدة للعمل في محو الأمية وتعليم الكبار ، إلا أنها لم ترشد في الحقيقة إلى شيء هام .
الذي يستدعيه الحديث عن ظاهرة الأمية في علاقاتها بالتعليم ، أي باعتبار التعليم هو الشرط الأساسي للقضاء على الأمية ، ولكنه عندما يفتقر إلى كفاءته الأفقية والرأسية وأبعاده الوطنية والثقافية و العلمية لأسباب كثيرة ، فسوف تغيب أهم شروط تجفيف منابع ظاهرة الأمية ، وسنرى بعد ذلك أن هذه العلاقة بين وضع التعليم وظاهرة الأمية في اليمن هي علاقة حميمة وأصيلة تجلت في الواقع تجليا واضحا . في البداية قدمنا أهداف لمحو الأمية وتعليم الكبار من خلال تعريفنا للأمية وتقديم عرضا علميا بالجهود المبكرة التي بذلها المجتمع الفلسطيني في مكافحة الأمية – وأشرنا إلى التطور الذي حدث في هذه المشكلة . ثم بعد ذلك تناولنا أسباب تطور ظاهرة الأمية في فلسطين عبر مراحل مختلفة حتى وصلت إلى حالتها الراهنة ، وحشدنا فيه مجموعة كافية من المعلومات والبيانات التي تضعنا وجها لوجه أمام الأمية في حجمها الحقيقي حاليا ،
وأخيرا سنتناول عوامل تنامي ظاهرة الأمية في المجتمع الفلسطيني أسبابها ومصادرها . وقبل أن ننهي هذه المقدمة نريد أن نشير إلى ثلاث قضايا :
الأولى: أن ظاهرة الأمية تستحق الدراسة والبحث ولكن ذلك يتطلب قدرات وجهود كبيرة . الثانية: أن هذه المحاولة في إنجاح البحث اصطدمت بجملة من العوائق كصعوبة الحصول على معلومات وبيانات فيما يتعلق ببرامج محو الأمية .
الثالثة: أن هذا البحث لا يدعي أنه بالغ الأهمية ، ولكنه يكتفي بمهمة متواضعة هي أن يقدم صورة واضحة لحجم الأمية وكيفية التعامل معها ، ونتائج هذا التعامل المغلوط مع الأمية على أنها مشكلة تربوية يمكن التساهل معها أو تأجيل النظر فيها ، رغم أن الأمية مشكلة حضارية يجب أن يواجهها المجتمع .
وهذا البحث يصل بعر ضه لمشكلة الأمية وتفاعلاتها وعلاقاتها بالتعليم بلا استنتاج رئيسي مخيف هو أننا أمـــــــــة فــــي خطــــــر . .. وخطر حقيقي ... وليس مجرد عرضة لخطر محتمل .
أهداف البحث :إن من أهدافنا التي ننشد إليها من جهاز محو الأمية وتعليم الكبار تحقيق الآتي :
1. استثارة دوافع الكبار وتحفيزهم للتعليم .
2. تمكين المواطنين الأميين من الحصول على الحد الأدنى من التعليم الأساسي وإجادة مهارات أساسية في القراءة والكتابة والحساب ، وتعزيز اتجاهاتهم نحو استمرار التعليم الذاتي .
3. رفع مستوى وعي المواطنين الأميين ثقافيا ومهنيا من خلال الربط بين التعليم والتدريب والتثقيف في الأنشطة التي يؤديها الجهاز .
4. ربط التعليم بخطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية .
ولتحقيق هذا الجهاز عهد القانون بتسع مهام أو اختصاصات هي :
1. وضع إستراتيجية شاملة للقضاء على الأمية .
2. تخطيط وتنظيم وتوحيد برامج محو الأمية وتعليم الكبار .
3. اقتراح خطوات وإجراءات عملية لتنفيذ برامج مكافحة الأمية وتعليم الكبار ( حسب الإمكانات المتاحة ) .
4. تخطيط وتنظيم وتنفيذ برامج التعليم المستمر والتثقيف الجماهيري .
5. تخطيط وإدارة التدريب المستمر للقوى العاملة في مجال محو الأمية .
6. دراسة وتحليل التجارب الناجحة في مجال محو الأمية .
7. تحديث وتطوير مراكز التدريب الأساسي والتدريب النسوي .
8. إعداد الميزانية السنوية .
9. توثيق وتطوير العلاقة مع الأجهزة المماثلة العربية والصوتية ( المادة 10 ) من نص القانون الدولي .
تعريف مشكلة الأمية :
الأمي في عرف العامة هو الإنسان الذي يجهل القراءة والكتابة ، وتنسب الكلمة إلى الأم لأن الكتابة تكتسب مع الأيام ، والأمي يبقى على ما ولدته أمه ، من الجهل بالقراءة والكتابة .
( وفي كلام العرب أن الأمي الذي لا كتاب له من مشركي العرب ) د . جرجس جرجس ، معجم المصطلحات الفقهية والقانونية ص70 . كقوله تعال ( ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني وإن هم إلا يظنون . البقرة ، 78 ) وتطلق كلمة الجهل على الأمية ، على أن تعريف الأمية ليس له معنى واحد متفق عليه من قبل الخبراء نتيجة للإختلاف في معايير المتعلم والحد من التعليم ، ( وفي مطلع الخمسينيات اعتبرت لجنة الأمم المتحدة للسكان الأمي ذلك الشخص الذي لا يستطيع قراءة عبارة مكتوبة بلغة من اللغات .
( والأمي يعد من الناحية الوظيفية – كل شخص لا يستطيع ممارسة جميع الأنشطة التي تتطلب معرف القراءة والكتابة والحساب من أجل تنميته الشخصية وتنمية مجتمعه ) الإستراتيجية الوطنية لمحو الأمية
.
على أن هذا التعريف للشخص الأمي يعتبر تعريفا قديما بالقياس إلى متغيرات ومتطلبات الحياة العصرية وعصر الثورة العلمية والتكنولوجية التي تفرض على الفرد تحديات معرفية جديدة يتعين عليه التفاعل معها وتحصيل معارف ومهارات ترقى به إلى مستوى التعامل مع طبيعة ومكونات الحياة العصرية في جانبيها المعرفي والتكنولوجي . ( وهناك ما يسمى " الأمية التقنية " ويقصد بها غياب المعارف والمهارات الأساسية للتعامل مع الآلات والأجهزة والمخترعات الحديثة وفي مقدمتها الكمبيوتر ) د .
تعريف الأمية كمشكلة حضارية :
مشكلة الأمية تتصف بأنها حضانة لمشكلات ومعوقات كثيرة تقف أمام تطور المجتمعات الإنسانية وتعيق تحسين الأوضاع المعيشية للسكان ، وهي مشكلة لها امتدادات متعددة في كافة اتجاهات وجبهات التخلف الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والثقافي ، ومن أجل ذلك كان محو الأمية وسيلة للوصول إلى المواطنة الصالحة وتنمية الصفات الخلقية التي يحتاج إليها المواطنون في أي مجتمع ديمقراطي . ولكن الأمية تظل المتغير الرئيسي في عدم تحقيق أهداف تلك البرامج المختلفة وخاصة ما يتعلق منها بالجانب الخدمي .وإذا كنا نؤمن بأن القضاء على الامية شرط أساسي لتطور المجتمع نحو المستقبل لأن هذا الشرط سيواجه بتحد ثقيل من خلال التدفق اليومي للأميين