السيدة المسكينة اسمها "أمل " .
بعد شهور قليلة ستكمل 30عاما .. زوجة وأن لطفلتين.
وتقول أوراق حياتها : ولدت فى أحد الأحياء الشعبية بمدينة الإسكندرية .. كانت بنت زى القمر .. شقية جدا .. لاتهدأ حركتها لها 7 أشقاء بنت و6 أولاد .
مات والدها منذ سنوات ولم يترك لزوجته إلا عبء تربية الأبناء الثمانية .. وحتى تخفف أمل هذا الحمل عن كاهل والدتها المريضة لم تكمل تعليمها ، اكتفت بالحصول على شهادة الإعدادية وخرجت إلى الدنيا تبحث عن عمل لتساعد فى مصاريف البيت .
والتحقت أمل بعمل فى محل كوافير وتعلمت المهنة بسرعة وأتقنت الصنعة حتى أنها بعد شهور قليلة أصبحت "البريمو " فى المحل وزادت يوميتها التى كانت تسلمها كلها لأمها لتساعدها فى تربية أشقائها .
زواج قبل أن تكمل أمل عامها الثامن عشر كان ابن الحلال يطرق بابها رجل طيب اسمه عادل يعمل حلاقا أى أنهما ابنا كار واحد ووافقت أمل على الزواج وانتقلت لتقيم فى بيت الزوجية وان أصرت على استكمال عملها حتى تساعد أمها فى تربية أشقائها ولم يعترض الزوج .
ومضت الأيام أنجبت أمل ابنتها الأولى نورهان بعد عام واحد من الزواج كانت تشعر بسعادة بالغة لأنها تعيش فى كنف رجل يحبها ويقدرها وقد توج حبهما ببنت جميلة تشبه القمر .
ولكن فى يوم الثلاثاء 15 يناير الماضى وفى الطريق المؤدى من العجمى إلى مدينة الإسكندرية ، أمل ووالدتها وابنتها الصغرى شيماء يجلسن داخل سيارة مينى باص فى طريقهن إلى محطة الرمل لشراء بعض الاحتياجات . فجأة يهدئ السائق من سرعة السيارة ويقول للركاب معلهش يابهوات الكاوتش ضرب . ويسأل بعض الركاب .
واصلاح الكاوتش ياخد قد إيه وقت ؟
ويجيب السائق فى تبرم .
العلم عند الله نصف ساعة ، ساعة .
تقف أمل من جلستها وتمسك بابنتها شيماء وتقول لوالدتها : يالله احنا يا أمى ناخذ مواصلة تانية علشان ما نتأخرش . تغادر أمل وابنتها وأمها السيارة المينى باص ويقف الجميع فوق الرصيف فى انتظار سيارة اخرى تقلهم إلى وسط مدينة الإسكندرية .
الساعة تقترب من السادسة مساء .
والدة أمل شاهدت على بعد خطوات فكهانى يفرش بضاعته على الرصيف فتوجهت إلى لشراء بعض الفاكهة .
أمل أمسكت بيد ابنتها الصغرى شيماء والتى راحت فى براءة تسأل عن اسم المكان الذى يقفان فيه وأجابت أمل قائلة :
اسمه وادى القمر ياحبيبتى وتعود أمل تمشى خطوات قليلة مع ابنتها ذهابا وايابا فى انتظار انتهاء والدتها من شراء الفاكهة .
الطريق لايبدو مزدحما بالسيارات ولكن فجأة يظهر على الجانب الآخر من الطريق " كلارك " يقوده شاب فى الخامسة والعشرين من العمر تقريبا لم يكن المشهد غريبا .. فهذه المنطقة يوجد بها عدة مصانع وشركات تستخدم هذا النوع من المعدات ولكن الغريب أن قائد الكلارك راح ينادى على أمل
قائلا : توصيلة يا جميل .
لم ترد أمل على هذه المعاكسة الصريحة أدارت وجهها إلى الجانب الآخر ولكن الشاب الذى كان يقود الكلارك ببطء استمر فى معاكستها قائلا : ح تفضلى هنا كتير وفى الآخر توافقى .
لم تعر أمل كلمات الشاب أى اهتماما شدت على يد ابنتها الصغيرة شيماء وسارت بها فى اتجاه والدتها التى كانت لا تزال تساوم بائع الفاكهة على الثمن الذى ستشترى به .
بطرف عينيها لمحت أمل الشاب قائد الكلارك يتوقف على الجانب الآخر من الطريق ثم يوجه الكلارك إليها على الجانب الآخر .
الشاب يعبر نهر الطريق بـ الكلارك .
أمل تقول فى نفسها : وبعدين بقى فى الرذالة دى أعمل أيه لو جه لحد عندى اشتمه ..اسكت .. وقبل أن تتخذ أمل القرار كان الكلارك يقترب منها أكثر وأكثر وبسرعة كبيرة بينما الشاب الذى يقوده يبتسم ابتسامة عريضة ولكن فجأة تبدلت ابتسامة الشاب إلى علامات ارتباك ثم فقد السيطرة على الكلارك فى لحظة . وانطلق الكلارك إلى هدفه ..صعد إلى الرصيف متوجها إلى أمل وابنتها شيماء ، صرخت الأم وابنتها صرخة مدوية شوكة الكلارك اصطدمت بساق أمل اليسرى بقوة فاقعدتها عن الحركة تماما ولم تقو أمل على شىء سوى دفع ابنتها الصغيرة من أمام ألة الموت التى تنطلق صوبهما . والدة أمل انتبهت لما يحدث لابنتها وحفيدتها صرخت بأعلى صوتها ولكن بعد أن توقف الكلارك عن الحركة وقفز منه الشاب الذى كان يقوده قبل لحظات واطلق لساقيه العنان يحاول الهرب .
أهالى المنطقة تجمعوا على صرخات والدة أمل وابنتها الصغيرة شيماء وعلى أنات أمل نفسها التى كانت تنزف الدماء بغزارة من ساقها اليسرى والتى انفصلت تقريبا عن جسدها .
مشهد مروع حقا .
على الجانب الآخر مجموعة من الأهالى نجحوا فى الإمساك بالشاب قائد الكلارك قبل أن يغادر المكان ولكنهم لم يسلموه إلى الشرطة . ولا أحد يعلم لماذا تركوا الجانى يفلت بجريمته . الام مبرحة
كانت أمل لا تشعر بشىء من شدة الألم .
كانت تذهب فى غيبوبة ثم تعود منها لتقول : ابنتى جرى لها حاجة ؟ وتطمئنها الناس فتعود وتسأل طيب أمى بخير ؟ وتطمئنها أمها على نفسها ثم تبكى وتصرخ مطالبة الأهالى بضرورة إحضار سيارة الإسعاف بسرعة .
وتعود أمل إلى غيبوبتها من جديد .
نزيف الدم مستمر .
أمل تكاد تلفظ أنفاسها الأخيرة سيارة الإسعاف لم تحضر رغم مرور نصف ساعة على وقوع الحادث .. اصحاب المصانع والشركات بالمنطقة يرفضون إخراج سيارات الإسعاف الخاصة بشركاتهم أنها مسؤولية عليهم .
الوقت يمر .. وأمل تصارع الموت .
واسرعت والدة أمل تتصل بأولادها وزوج ابنتها عادل ليحضروا إليها ويساعدوها فى نقل أمل لإحدى المستشفيات الخاصة .وقد كان . وصل أشقاء أمل وزوجها فى سرعة البرق وقاموا باصطحابها إلى مستشفى خاص بمنطقة جليم بالاسكندرية .
الدفع أولا :
دخلت أمل المستشفى الخاص ودماؤها لا تتوقف كانت بين الحياة والموت بالفعل وقبل أن يقترب منها أى طبيب بالمستشفى قال العاملون لأهلها : 20 ألف جنيه تحت الحساب .
وسأل الزوج : ليه ؟
وهنا أجاب الاطباء : لابد من شراء أوردة واجهزة وتعويض الدماء التى نزفتها المصابة وإجراء عملية جراحية غير مضمونة لإعادة الساق إلى وضعها الطبيعى .
وسال الزوج : ونسبة نجاح هذه العملية قد إية ؟
والله مش مضمونة .
40 ألف جنيه ومش مضمونة ؟
ولم يرد الأطباء كل ما قالوه بإمكانكم نقل المصابة إلى مستشفى القوات المسلحة بمصطفى كامل . هناك أخصائيون وهناك أيضا قسم للعلاج المجانى .
بتر الساق !
وتم نقل أمل للمرة الثالثة بسيارة الإسعاف إلى مستشفى القوات المسلحة حيث أكد الاطباء هناك ضرورة إجراء جراحة عاجلة لبتر الساق لأن المصابة نزفت كمية كبيرة من الدماء ولا أمل فى إعادة الساق لوضعها الطبيعى وخاصة بعد إصابة العظام بالهشاشة .
وتم إجراء العملية . واستيقظت أمل صباح اليوم التالى لتجد نفسها بدون ساقها اليسرى . بالتأكيد بكت أمل على حالها ولكنها تماسكت أمام زوجها وبناتها وأمها وأشقائها وقالت لهم . أنا راضية بقضاء الله .
ولكنها من داخلها كانت تتمزق ألما لفقدها جزءا لا يعوض من جسدها .
حياة مختلفة
خرجت أمل من المستشفى على عكاز .
عادت إلى بيتها فى العجمى بعد أن أنفقت كل ما جمعته من مال على العلاج .. بل واستدانت من الأهل والأقارب تبدلت حياتها تماما تحطمت نفسيتها السعادة التى كانت تملأ دنيتها بدأت تنسحب تدريجيا ابتعد عنها زوجها يوما وراء الآخر اصبحت عاجز حتى عن إحضار كوب ماء لابنتيها . تقول أمل بدموع حارقة .
حياتى كلها ضاعت انهارت بسبب شاب متهور حسبى الله ونعم الوكيل . الجانى والعقاب
أغرب ما فى هذه الحكاية أن الشاب الذى تسبب بتهوره فى مأساة هذه الزوجة المسكينة ما زال حرا طليقا رغم أن تحقيقات النيابة العامة أدانت صاحب الكلارك واتهمته مع الشاب الذى تبين أنه ميكانيكى كان يقوم باصلاح الكلارك يوم الحادث وقدمتهما للمحاكمة .
وقد صدر الحكم ضد صاحب الكلارك والشاب الذى كان يقوده بحبسهما 6 أشهر لكل منهما و2001 جنيه على سبيل التعويض للمجنى عليها وبالطبع لم يحضر صاحب الكلارك ولا الشاب السائق المحاكمة ومازالا هاربين رغم حضور محاميهما كل جلسات المحاكمة .
يقول آمر أبو هيف محامى هذه الزوجة البائسة : سوف أطلب لـ أمل مبلغ مليون جنيه تعويض .. فبعد أن حصلنا على حكم قضائى الأسبوع الماضى بحبس المتهمين صاحب الكلارك وسائقه الهاربين 6 أشهر لكل منهما .. سوف أقيم الدعوى المدنية ضدهما لتحصل أمل على التعويض وإن كان هذا المبلغ لن يعيد لهذه المسكينة سعادتها الزوجية التى اصبحت مهددة ولن يعيد إليها ساقها اليسرى التى فقدتها إلى الأبد ولن يخفف عنها الأضرار النفسية البالغة التى تتعرض لها فى كل لحظة . إلى هنا وتركنا أمل تعود إلى بيتها متكئة على عكازها وعلى أحد أشقائها ..غادرت الزوجة الشابة التى فقدت ساقها اليسرى بسبب مغازلة سخيفة من شاب أسخف هدم أسرة بأكملها ودمر حياة سعيدة وأقول لهذا الشاب .
هل أنت راض الآن ؟