الـمـلـكـ الـظـالـمـ
كان في قديم الزمان جزيرة نائية ، ترخي جدائلها
على بحر من البحار ، ممروجة مفوفة بالأزهار مجللة بالخضرة . في الصباح ترسل الشمس بين
طياتها خيوطها الذهبية مع ترانيم الطيور، و في المساء تغرب الشمس تاركة من ورائها
الشفق الأحمر؛ ليضع الليل سواده ، و تزين السماء بنجومها و قمرها .
و على أرض هذه الجزيرة كان يحكمها ملك طيب القلب
عادل متضلع في حكمه و من أفاضل
الحكام ، و هذا بالإضافة إلى عظمته النفسية و عزته الخلقية و تواضعه اللامثيل له.
مع ذلك فقد حرمه الله من أكبر هبة ؛ و هو أن يكون لديه ولداًً ؛ ليخلفه في الحكم .
و في يوم من الأيام فإذا ببائع يبيع بلحاً لمن يريد إنجاب أطفال ، فسمع رجل
من رجال حاشية الملك و ذهب بسرعة البرق ؛ ليخبر الملك بخبر هذا البائع ، فعندما
أخبره نهض الملك بسرعة و ذهب ليشتري من هذا البائع ، و سرعان ما اشتراه طلب من
الملكة أن تتناول هذا البلح . و بعد فترة و جيزة بُشر الملك أن زوجته قد حملت بصبي
، فقد كانت فرحته آنذاك لا توصف .
و توالت الأشهر فأنجبت الملكة طفلاً في غاية الحسن و الجمال ، فأسمياه عادل ؛ ليكون عادلاُ
في حكمه عندما يخلف الملك في الحكم . و توالت السنون و ترادفت إلى أن أصيب الملك
بأحد الأوبئة الخطيرة ، فحاولوا أن يعطوه العلاج
الشافي ، و لم يتركوا طبيباً من أرجاء
المعمورة إلا و أحضروه وقدم له العلاج و
لكن كان بلا جدوى ، و هكذا إلى أن يئسوا من علاجه ، فأوصى الملك ــ و هو على فراش
موته ــ الأمير الصغير أن يحكم من بعده
كما حكم هو دون تغيير في نظام حكمه شيئاً . فلم يلبث إلا القليل و من ثم انتقل إلى
مانيته و انطفأ سراج عمره ، و كان عمر عادل آنذاك لا يتجاوز الثامنة من عمره ، أي
أنه لم يبلغ سن أن يكون حاكماً.
فتم اختيار حاكماً إلا أن يبلغ الثامنة عشر
من عمره ، فقد كان هذا الحاكم على العكس تماماً من الملك السابق ، فكان قاسي القلب
، ظالم ، فقد نشر الظلم في جميع أرجاء الجزيرة ، و حرم الرعية من الطعام ، فكان كل
ما تنتجه الرعية من محاصيل زراعية ، يستولي هو عليها و يحرمهم من ربح المحصول ، و
هكذا انتشرت المجاعات و الأوبئة و الجنايات ، و بقي الحال على ما هو عليه إلى أن وصل الأمير إلى سن الحكم المطلوب و لكن
عندما طلب الحكم من الملك الظالم ، و لكنه رفض و استعصى ، و أسر الأمير و نفاه ؛ لكي
يستفرد في الحكم .
و لكن الأمير عادل كان في غاية الحزن ؛ لأنه
لم ينفذ وصية أباه و ترك شعبه في أيدٍ غير أمينة تماما فحاول أن يجد حل ، فبينما
الملك الظالم غارق في اللهو و المجون فإذا بجيش عظيم ينهال عليه فلم يعرف ماذا يفعل ، فقد استكان و قرر أن
يستسلم ، و عندما قدم قائد الجيش تفاجأ بأنه الأمير عادل ، و هنا بدأ
بالإستسماح منه على ما فعله ، فأخرج الأمير قرار بأن يتعرض للمحاكمة القانونية ،
فحكم عليه السجن مدى حياته ، و هكذا انتصر
الخير على الشر و عادت الجزيرة كما كانت على عهده سابقاً .
و أما الملك عادل التقى بفتاة أحلامه ، كانت في غاية الروعة و الجمال و الأدب و هذا
عدا عن ذكائها الفذ ، فأعجب بها الملك و ذهب ليطلبها للزواج ،فتفاجأ عندما وجدها
من عائلة فقيرة ،إلا أنه لم يقف حاجز أمامه للزواج منها ،لأنه مؤمن تماماً أن
الإملاق ليست صفة مذمومة في المجتمع ، فتزوج منها و أجرى زفاف تتحاكى عنه جميع
أصقاع الغبراء و أنجب طفلتاً في غاية البهاء و الحسن ، و أسمياها روعة لروعة
جمالها ، و هكذا عاش الجميع في سلام وأمان
انتهى.... .